يحلل هسرل أزمة الفلسفة انطلاقا من نقد العلوم الأوروبية التي أدى استخدامها إلى تحويل العالم إلى عالم رياضي تقني مجرّد من كل قيمة إنسانية وحياتية، الشيء الذي أدى إلى نسيان الذات العارفة التي صارت خادمة للعلوم عوض أن تكون هدفا لها. من هنا يقترح هسرل فكرة العودة إلى عالم الحياة وإلى أصله الترنسندنتالي أي الذاتية الترنسندنتالية، وتأسيسها من جديد باعتبارها هي الإنسان - في - العالم، وتأسيس العالم باعتباره عالمه الخاص. إلا أنه يتساءل: كيف يمكن تحقيق ذلك في ظلّ التأثير القوي لكل من العلم الوضعي والدين في صياغة معنى الأشياء في عالم الحياة؟ على الرغم من أن بداهات عالم الحياة تملك، في نظر هسرل، الصدارة بالنسبة إلى هذه العوالم الفوقية ذات الأصل المختلف، إلا أنه لا يدعو إلى إلغاء هذه الأخيرة، بل إلى إخضاعها لمنهج التعليق الترنسندنتالي. صحيح أن الفيزياء كثيرا ما تضللنا حين تجعلنا نتأمل كل شيء، بما في ذلك سلوكات الإنسان، تحت قاعدة سببية كلية، لكن هذا لا ينفي أهميتها وقيمتها. كما أن ارتباط بعض الديانات المحرَّفة بأساطير وخرافات تصور علاقة الله بالإنسان في شكل صراع لامعقول يهدد حرية وسعادة الإنسان معا، لا يعني أبدا أن الدين أسطوري في جوهره. إن التوتر بين عالم الحياة العيني الأصلي والعالم الشيئي، المصورن والمكمَّم للعلوم الوضعية، بين الحرية الإنسانية والضرورة الفيزياءوية، الذي يعتبره هسرل سبب أزمة العلوم الأوروبية، يرجع في نظري إلى تجاهل الإنسانية الأوروبية للدين الحقيقي الذي لا يتنافى مع حرية الإنسان ولا مع سعادته، بل بالعكس يحققهما من خلال وصل الإنسان مباشرة بخالقه وبعالم حياته الأصلي.
1 place centrale de Ben Aknoun - Alger